Muslim Library

تفسير القرطبي - سورة المزمل - الآية 1

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) (المزمل) mp3
مَكِّيَّة . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة : إِلَّا آيَتَيْنِ مِنْهَا : " وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ " [ الْمُزَّمِّل : 10 ] وَاَلَّتِي تَلِيهَا ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ : قَوْله تَعَالَى : " إِنَّ رَبّك يَعْلَم أَنَّك تَقُوم أَدْنَى " [ الْمُزَّمِّل : 20 ] إِلَى آخِر السُّورَة ; فَإِنَّهُ نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ .

قَالَ الْأَخْفَش سَعِيد : " الْمُزَّمِّل " أَصْله الْمُتَزَمَّل ; فَأُدْغِمَتْ التَّاء فِي الزَّاي وَكَذَلِكَ " الْمُدَّثِّر " . وَقَرَأَ أُبَيّ بْن كَعْب عَلَى الْأَصْل " الْمُتَزَمَّل " و " الْمُتَدَثِّر " . وَسَعِيد : " الْمُزَّمِّل " . وَفِي أَصْل " الْمُزَّمِّل " قَوْلَانِ : أَحَدهمَا أَنَّهُ الْمُحْتَمِل ; يُقَال : زَمَلَ الشَّيْء إِذَا حَمَلَهُ , وَمِنْهُ الزَّامِلَة ; لِأَنَّهَا تَحْمِل الْقُمَاش . الثَّانِي أَنَّ الْمُزَّمِّل هُوَ الْمُتَلَفِّف ; يُقَال : تَزَمَّلَ وَتَدَثَّرَ بِثَوْبِهِ إِذَا تَغَطَّى . وَزَمَّلَ غَيْره إِذَا غَطَّاهُ , وَكُلّ شَيْء لُفِّفَ فَقَدْ زُمِّلَ وَدُثِّرَ ; قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : كَبِير أُنَاس فِي بِجَادٍ مُزَمَّلٍ

قَوْله تَعَالَى : " يَا أَيّهَا الْمُزَّمِّل " هَذَا خِطَاب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال :

الْأَوَّل قَوْل عِكْرِمَة : " يَا أَيّهَا الْمُزَّمِّل " بِالنُّبُوَّةِ وَالْمُلْتَزِم لِلرِّسَالَةِ . وَعَنْهُ أَيْضًا : يَا أَيّهَا الَّذِي زُمِّلَ هَذَا الْأَمْر أَيْ حَمَلَهُ ثُمَّ فَتَرَ , وَكَانَ يَقْرَأ : " يَا أَيّهَا الْمُزَمَّل " بِتَخْفِيفِ الزَّاي وَفَتْح الْمِيم وَتَشْدِيدهَا عَلَى حَذْف الْمَفْعُول , وَكَذَلِكَ " الْمُدَثَّر " وَالْمَعْنَى الْمُزَمِّل نَفْسه وَالْمُدَثِّر نَفْسه , أَوْ الَّذِي زَمَّلَهُ غَيْره .

الثَّانِي : " يَا أَيّهَا الْمُزَّمِّل " بِالْقُرْآنِ , قَالَهُ اِبْن عَبَّاس .

‎الثَّالِث الْمُزَّمِّل بِثِيَابِهِ , قَالَ قَتَادَة وَغَيْره . قَالَ النَّخَعِيّ : كَانَ مُتَزَمِّلًا بِقَطِيفَةٍ . عَائِشَة : بِمِرْطٍ طُوله أَرْبَعَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا , نِصْفه عَلَيَّ وَأَنَا نَائِمَة , وَنِصْفه عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي , وَاَللَّه مَا كَانَ خَزًّا وَلَا قَزًّا وَلَا مِرْعِزَاءَ وَلَا إِبْرِيسَمًا وَلَا صُوفًا , كَانَ سَدَاه شَعْرًا , وَلُحْمَته وَبَرًا , ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ .

قُلْت : وَهَذَا الْقَوْل مِنْ عَائِشَة يَدُلّ عَلَى أَنَّ السُّورَة مَدَنِيَّة ; فَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَبْنِ بِهَا إِلَّا فِي الْمَدِينَة . وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهَا مَكِّيَّة لَا يَصِحّ . وَاَللَّه أَعْلَم .

وَقَالَ الضَّحَّاك : تَزَمَّلَ بِثِيَابِهِ لِمَنَامِهِ . وَقِيلَ : بَلَغَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ سُوء قَوْل فِيهِ , فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ فَتَزَمَّلَ فِي ثِيَابه وَتَدَثَّرَ , فَنَزَلَتْ : " يَا أَيّهَا الْمُزَّمِّل " [ الْمُزَّمِّل : 1 ] و " يَا أَيّهَا الْمُدَّثِّر " [ الْمُدَّثِّر : 1 ] .

وَقِيلَ : كَانَ هَذَا فِي اِبْتِدَاء مَا أَوْحَى إِلَيْهِ , فَإِنَّهُ لَمَّا سَمِعَ قَوْل الْمَلَك وَنَظَرَ إِلَيْهِ أَخَذَتْهُ الرِّعْدَة فَأَتَى أَهْله فَقَالَ : ( زَمِّلُونِي دَثِّرُونِي ) رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَتْ الْحُكَمَاء : إِنَّمَا خَاطَبَهُ بِالْمُزَّمِّلِ وَالْمُدَّثِّر فِي أَوَّل الْأَمْر ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَعْد اِدَّثَرَ شَيْئًا مِنْ تَبْلِيغ الرِّسَالَة .

قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَاخْتُلِفَ فِي تَأْوِيل : " يَا أَيّهَا الْمُزَّمِّل " فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى حَقِيقَته , قِيلَ لَهُ : يَا مَنْ تَلَفَّفَ فِي ثِيَابه أَوْ فِي قَطِيفَته قُمْ ; قَالَهُ إِبْرَاهِيم وَقَتَادَة . وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْمَجَاز , كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ : يَا مَنْ تَزَمَّلَ بِالنُّبُوَّةِ ; قَالَهُ عِكْرِمَة . وَإِنَّمَا يَسُوغ هَذَا التَّفْسِير لَوْ كَانَتْ الْمِيم مَفْتُوحَة مُشَدَّدَة بِصِيغَةِ الْمَفْعُول الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , وَأَمَّا وَهُوَ بِلَفْظِ الْفَاعِل فَهُوَ بَاطِل . قُلْت : وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهَا عَلَى حَذْف الْمَفْعُول : وَقَدْ قُرِئَ بِهَا , فَهِيَ صَحِيحَة الْمَعْنَى . قَالَ : وَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّهُ زُمِّلَ الْقُرْآن فَهُوَ صَحِيح فِي الْمَجَاز , لَكِنَّهُ قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَحْتَاج إِلَيْهِ .

قَالَ السُّهَيْلِيّ : لَيْسَ الْمُزَّمِّل بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَمْ يُعْرَف بِهِ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْض النَّاس وَعَدُّوهُ فِي أَسْمَائِهِ عَلَيْهِ السَّلَام , وَإِنَّمَا الْمُزَّمِّل اِسْم مُشْتَقّ مِنْ حَالَته الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا حِينَ الْخِطَاب , وَكَذَلِكَ الْمُدَّثِّر .

وَفِي خِطَابه بِهَذَا الِاسْم فَائِدَتَانِ :

إِحْدَاهُمَا الْمُلَاطَفَة ; فَإِنَّ الْعَرَب إِذَا قَصَدَتْ مُلَاطَفَة الْمُخَاطَب وَتَرْك الْمُعَاتَبَة سَمَّوْهُ بِاسْمٍ مُشْتَقّ مِنْ حَالَته الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا ; كَقَوْلِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ حِينَ غَاضَبَ فَاطِمَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا , فَأَتَاهُ وَهُوَ نَائِم وَقَدْ لَصِقَ بِجَنْبِهِ التُّرَاب فَقَالَ لَهُ : ( قُمْ يَا أَبَا تُرَاب ) إِشْعَارًا لَهُ أَنَّهُ غَيْر عَاتِب عَلَيْهِ , وَمُلَاطَفَة لَهُ . وَكَذَلِكَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لِحُذَيْفَة : ( قُمْ يَا نَوْمَان ) وَكَانَ نَائِمًا مُلَاطَفَة لَهُ , وَإِشْعَارًا لِتَرْكِ الْعَتْب وَالتَّأْنِيب . فَقَوْل اللَّه تَعَالَى لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا أَيّهَا الْمُزَّمِّل قُمْ " فِيهِ تَأْنِيس وَمُلَاطَفَة ; لِيَسْتَشْعِر أَنَّهُ غَيْر عَاتِب عَلَيْهِ .

وَالْفَائِدَة الثَّانِيَة : التَّنْبِيه لِكُلِّ مُتَزَمِّل رَاقِد لَيْله لِيَتَنَبَّه إِلَى قِيَام اللَّيْل وَذِكْر اللَّه تَعَالَى فِيهِ ; لِأَنَّ الِاسْم الْمُشْتَقّ مِنْ الْفِعْل يَشْتَرِك فِيهِ مَعَ الْمُخَاطَب كُلّ مَنْ عَمِلَ ذَلِكَ الْعَمَل وَاتَّصَفَ بِتِلْكَ الصِّفَة .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • بيان عقيدة أهل السنة والجماعة ولزوم اتباعها

    بيان عقيدة أهل السنة والجماعة ولزوم اتباعها: رسالة قيمة فيها ذِكْر لأصول عقيدة أهل السنة والجماعة إجمالاً، وذكر مفهوم العقيدة، ومن هم أهل السنة والجماعة، وأسماؤهم وصفاتهم.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/1964

    التحميل:

  • شرح كشف الشبهات [ صالح الفوزان ]

    كشف الشبهات : رسالة نفيسة كتبها الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - وهي عبارة عن سلسلة شبهات للمشركين وتفنيدها وإبطالها، وفيها بيان توحيد العبادة وتوحيد الألوهية الذي هو حق الله على العباد، وفيها بيان الفرق بين توحيد الربوبية وتوحيد الإلهية والعبادة، وقد قام عدد من أهل العلم بشرحها وبيان مقاصدها، وفي هذه الصفحة شرح فضيلة الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله -.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/305087

    التحميل:

  • شرح نواقض الإسلام [ البراك ]

    اعلم أيها المسلم أن الله - سبحانه وتعالى - أوجب على جميع العباد الدخول في الإسلام والتمسك به والحذر مما يخالفه، وبعث نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - للدعوة إلى ذلك، وأخبر - عز وجل - أن من اتبعه فقد اهتدى، ومن أعرض عنه فقد ضل، وحذر في آيات كثيرات من أسباب الردة، وسائر أنواع الشرك والكفر، وذكر العلماء رحمهم الله في باب حكم المرتد أن المسلم قد يرتد عن دينه بأنواع كثيرة من النواقض التي تحل دمه وماله، ويكون بها خارجا من الإسلام، وقد قام فضيلة الشيخ البراك - حفظه الله - بشرح رسالة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - والتي بين فيها بعض هذه النواقض.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/322168

    التحميل:

  • رسالة أخوية إلى أصحاب المحلات التجارية

    تحتوي هذه الرسالة على بعض النصائح والتوجيهات إلى أصحاب المحلات التجارية.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/335000

    التحميل:

  • طلائع الفجر في الجمع بين قراءتي عاصم وأبي عمرو

    طلائع الفجر في الجمع بين قراءتي عاصم وأبي عمرو: مذكرة جـمعت بـين قراءة عاصم بن أبي النّجود الكوفي بروايتي شعبة بن عياش، وحفص بن سليمان، وقراءة أبي عمرو زبَّـان بن العلاء المازني البصري بروايتي حفص بن عمر الدوري، وصالـح بن زياد السوسي اللذين رويا عنه القراءة بواسطة أبي محمد يـحيى بن المبارك اليزيدي.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/2061

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة