Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة البقرة - الآية 41

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ۖ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) (البقرة) mp3
وَلِهَذَا قَالَ " وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْت مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ " يَعْنِي بِهِ الْقُرْآن الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّبِيّ الْأُمِّيّ الْعَرَبِيّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَسِرَاجًا مُنِيرًا مُشْتَمِلًا عَلَى الْحَقّ مِنْ اللَّه تَعَالَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل . قَالَ أَبُو الْعَالِيَة رَحِمَهُ اللَّه فِي قَوْله تَعَالَى " وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْت مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ " يَقُول يَا مَعْشَر أَهْل الْكِتَاب آمِنُوا بِمَا أَنْزَلْت مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ يَقُول لِأَنَّهُمْ يَجِدُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِد وَالرَّبِيع بْن أَنَس وَقَتَادَة نَحْو ذَلِكَ وَقَوْله" وَلَا تَكُونُوا أَوَّل كَافِر بِهِ " قَالَ بَعْض الْمُعْرِبِينَ أَوَّل فَرِيق كَافِر بِهِ أَوْ نَحْو ذَلِكَ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : وَلَا تَكُونُوا أَوَّل كَافِر بِهِ وَعِنْدكُمْ فِيهِ مِنْ الْعِلْم مَا لَيْسَ عِنْد غَيْركُمْ قَالَ أَبُو الْعَالِيَة : يَقُول وَلَا تَكُونُوا أَوَّل مَنْ كَفَرَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي مِنْ جِنْسكُمْ أَهْل الْكِتَاب بَعْد سَمَاعكُمْ بِمَبْعَثِهِ وَكَذَا قَالَ الْحَسَن وَالسُّدِّيّ وَالرَّبِيع بْن أَنَس وَاخْتَارَ اِبْن جَرِير أَنَّ الضَّمِير فِي قَوْله بِهِ عَائِد عَلَى الْقُرْآن الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْره فِي قَوْله " بِمَا أَنْزَلْت " وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ صَحِيحٌ لِأَنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ لِأَنَّ مَنْ كَفَرَ بِالْقُرْآنِ فَقَدْ كَفَرَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ كَفَرَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ كَفَرَ بِالْقُرْآنِ وَأَمَّا قَوْله " أَوَّل كَافِر بِهِ " فَيَعْنِي بِهِ أَوَّل مَنْ كَفَرَ بِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَهُمْ مِنْ كُفَّار قُرَيْش وَغَيْرهمْ مِنْ الْعَرَب بَشَر كَثِير وَإِنَّمَا الْمُرَاد أَوَّل مَنْ كَفَرَ بِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل مُبَاشَرَة فَإِنَّ يَهُود الْمَدِينَة أَوَّل بَنِي إِسْرَائِيل خُوطِبُوا بِالْقُرْآنِ فَكُفْرهمْ بِهِ يَسْتَلْزِم أَنَّهُمْ أَوَّل مَنْ كَفَرَ بِهِ مِنْ جِنْسهمْ وَقَوْله تَعَالَى " وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا" يَقُول لَا تَعْتَاضُوا عَنْ الْإِيمَان بِآيَاتِي وَتَصْدِيق رَسُولِي بِالدُّنْيَا وَشَهَوَاتهَا فَإِنَّهَا قَلِيلَة فَانِيَة كَمَا قَالَ عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك : أَنْبَأَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن جَابِر عَنْ هَارُون بْن يَزِيد قَالَ : سُئِلَ الْحَسَن يَعْنِي الْبَصْرِيّ عَنْ قَوْله تَعَالَى " ثَمَنًا قَلِيلًا " قَالَ : الثَّمَن الْقَلِيل الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا وَقَالَ اِبْن لَهِيعَة : حَدَّثَنِي عَطَاء بْن دِينَار عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي قَوْله تَعَالَى " وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا " إِنَّ آيَاته كِتَابه الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَيْهِمْ وَإِنَّ الثَّمَن الْقَلِيل الدُّنْيَا وَشَهَوَاتهَا وَقَالَ السُّدِّيّ : " وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا" يَقُول لَا تَأْخُذُوا طَمَعًا قَلِيلًا وَلَا تَكْتُمُوا اِسْم اللَّه فَذَلِكَ الطَّمَع هُوَ الثَّمَن وَقَالَ أَبُو جَعْفَر عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله تَعَالَى " وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا " يَقُول لَا تَأْخُذُوا عَلَيْهِ أَجْرًا قَالَ وَهُوَ مَكْتُوب عِنْدهمْ فِي الْكِتَاب الْأَوَّل : يَا اِبْن آدَم عَلِّمْ مَجَّانًا كَمَا عُلِّمْت مَجَّانًا وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا تَعْتَاضُوا عَنْ الْبَيَان وَالْإِيضَاح وَنَشْر الْعِلْم النَّافِع فِي النَّاس بِالْكِتْمَانِ وَاللَّبْس لِتَسْتَمِرُّوا عَلَى رِيَاسَتكُمْ فِي الدُّنْيَا الْقَلِيلَة الْحَقِيرَة الزَّائِلَة عَنْ قَرِيب وَفِي سُنَن أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْه اللَّه لَا يَتَعَلَّمهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنْ الدُّنْيَا لَمْ يَرِحْ رَائِحَة الْجَنَّة يَوْم الْقِيَامَة " فَأَمَّا تَعْلِيم الْعِلْم بِأُجْرَةٍ فَإِنْ كَانَ قَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوز أَنْ يَأْخُذ عَلَيْهِ أُجْرَة وَيَجُوز أَنْ يَتَنَاوَل مِنْ بَيْت الْمَال مَا يَقُوم بِهِ حَاله وَعِيَاله فَإِنْ لَمْ يَحْصُل لَهُ مِنْهُ شَيْء وَقَطَعَهُ التَّعْلِيم عَنْ التَّكَسُّب فَهُوَ كَمَا لَمْ يَتَعَيَّن عَلَيْهِ وَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّن عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَجُوز أَنْ يَأْخُذ عَلَيْهِ أُجْرَة عِنْد مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَجُمْهُور الْعُلَمَاء كَمَا فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي سَعِيد فِي قِصَّة اللَّدِيغ " إِنَّ أَحَقّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَاب اللَّه " وَقَوْله فِي قِصَّة الْمَخْطُوبَة " زَوَّجْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآن " فَأَمَّا حَدِيث عُبَادَة بْن الصَّامِت أَنَّهُ عَلَّمَ رَجُلًا مِنْ أَهْل الصُّفَّة شَيْئًا مِنْ الْقُرْآن فَأَهْدَى لَهُ قَوْسًا فَسَأَلَ عَنْهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " إِنْ أَحْبَبْت أَنْ تُطَوَّق بِقَوْسٍ مِنْ نَار فَاقْبَلْهُ " فَتَرَكَهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَرُوِيَ مِثْله عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب مَرْفُوعًا فَإِنْ صَحَّ إِسْنَاده فَهُوَ مَحْمُول عِنْد كَثِير مِنْ الْعُلَمَاء مِنْهُمْ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ عَلَى أَنَّهُ لَمَّا عَلَّمَهُ اللَّه لَمْ يَجُزْ بَعْد هَذَا أَنْ يَعْتَاض عَنْ ثَوَاب اللَّه بِذَلِكَ الْقَوْس فَأَمَّا إِذَا كَانَ مِنْ أَوَّل الْأَمْر عَلَى التَّعْلِيم بِالْأُجْرَةِ فَإِنَّهُ يَصِحّ كَمَا فِي حَدِيث اللَّدِيغ وَحَدِيث سَهْل فِي الْمَخْطُوبَة وَاَللَّه أَعْلَم وَقَوْله " وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ" قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم : حَدَّثَنَا أَبُو عُمَر الدَّوْرِيّ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيل الْمُؤَدِّب عَنْ عَاصِم الْأَحْوَل عَنْ أَبِي الْعَالِيَة عَنْ طَلْق بْن حَبِيب قَالَ : التَّقْوَى أَنْ تَعْمَل بِطَاعَةِ اللَّه رَجَاء رَحْمَة اللَّه عَلَى نُور مِنْ اللَّه وَأَنْ تَتْرُك مَعْصِيَة اللَّه عَلَى نُور مِنْ اللَّه تَخَاف عِقَاب اللَّه . وَمَعْنَى قَوْله" وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ " أَنَّهُ تَعَالَى يَتَوَعَّدهُمْ فِيمَا يَتَعَمَّدُونَهُ مِنْ كِتْمَان الْحَقّ وَإِظْهَار خِلَافه وَمُخَالَفَتهمْ الرَّسُول صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • شرح ثلاثة الأصول [ البراك ]

    ثلاثة الأصول : رسالة مختصرة ونفيسة تحتوي على الأصول الواجب على الإنسان معرفتها من معرفة العبد ربه, وأنواع العبادة التي أمر الله بها، ومعرفة العبد دينه، ومراتب الدين، وأركان كل مرتبة، ومعرفة النبي - صلى الله عليه وسلم - في نبذة من حياته، والحكمة من بعثته، والإيمان بالبعث والنشور، وركنا التوحيد وهما الكفر بالطاغوت,والإيمان بالله، وقد قام بشرحها فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك- حفظه الله -.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/2394

    التحميل:

  • المساجد في ضوء الكتاب والسنة

    المساجد في ضوء الكتاب والسنة: قال المصنف - حفظه الله -: «فهذه رسالة مختصرة في المساجد بيّنت فيها: مفهوم المساجد، وفضلها، وفضل بنائها وعمارتها: الحسيّة والمعنويّة، وفضل المشي إليها، وآدابه، وأحكام المساجد، وأهمية حلقات العلم في المساجد، وكل مسألة قرنتها بدليلها».

    الناشر: المكتب التعاوني للدعوة وتوعية الجاليات بالربوة http://www.IslamHouse.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/58441

    التحميل:

  • فقه ألفاظ الصلاة

    فقه ألفاظ الصلاة: رسالةٌ صغيرة مؤلَّفة لتكون عونًا للمسلم على تدبُّر ألفاظ الصلاة، وسببًا لإثارة فريضة الخشوع، وسنة التدبُّر.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/278455

    التحميل:

  • جهود المملكة العربية السعودية في رعاية تحفيظ القرآن الكريم لأبناء المسلمين في الخارج

    كتيب يبين جهود المملكة العربية السعودية في رعاية تحفيظ القرآن الكريم لأبناء المسلمين في الخارج.

    الناشر: موقع الإسلام http://www.al-islam.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/110920

    التحميل:

  • مجالس شهر رمضان

    مجالس شهر رمضان : فهذه مجالس لشهر رمضان المبارك تستوعب كثيرا من أحكام الصيام والقيام والزكاة، وما يناسب المقام في هذا الشهر الفاضل، رتبتُها على مجالس يومية أو ليلية، انتخبت كثيرا من خطبها من كتاب " قرة العيون المبصرة بتلخيص كتاب التبصرة " مع تعديل ما يحتاج إلى تعديله، وأكثرت فيها من ذكر الأحكام والآداب لحاجة الناس إلى ذلك.

    الناشر: موقع الإسلام http://www.al-islam.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/144934

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة