Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة الأنعام - الآية 165

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (165) (الأنعام) mp3
يَقُول تَعَالَى " وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِف الْأَرْض " أَيْ جَعَلَكُمْ تَعْمُرُونَهَا جِيلًا بَعْد جِيل وَقَرْنًا بَعْد قَرْن وَخَلَفًا بَعْد سَلَف . قَالَهُ اِبْن زَيْد وَغَيْره كَقَوْلِهِ تَعَالَى " وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَة فِي الْأَرْض يَخْلُفُونَ " وَكَقَوْله تَعَالَى " وَيَجْعَلكُمْ خُلَفَاء الْأَرْض " وَقَوْله " إِنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة" وَقَوْله " عَسَى رَبّكُمْ أَنْ يُهْلِك عَدُوّكُمْ وَيَسْتَخْلِفكُمْ فِي الْأَرْض فَيَنْظُر كَيْفَ تَعْمَلُونَ " وَقَوْله " وَرَفَعَ بَعْضكُمْ فَوْق بَعْض دَرَجَات " أَيْ فَاوَتَ بَيْنكُمْ فِي الْأَرْزَاق وَالْأَخْلَاق وَالْمَحَاسِن وَالْمَسَاوِي وَالْمَنَاظِر وَالْأَشْكَال وَالْأَلْوَان وَلَهُ الْحِكْمَة فِي ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى " نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنهمْ مَعِيشَتهمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضهمْ فَوْق بَعْض دَرَجَات لِيَتَّخِذ بَعْضهمْ بَعْضًا سِخْرِيًّا " وَقَوْله" اُنْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضهمْ عَلَى بَعْض وَلَلْآخِرَة أَكْبَر دَرَجَات وَأَكْبَر تَفْضِيلًا " وَقَوْله تَعَالَى " لِيَبْلُوَكُمْ فِيمَا آتَاكُمْ " أَيْ لِيَخْتَبِركُمْ فِي الَّذِي أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ وَامْتَحَنَكُمْ بِهِ لِيَخْتَبِر الْغَنِيّ فِي غِنَاهُ وَيَسْأَلهُ عَنْ شُكْره وَالْفَقِير فِي فَقْره وَيَسْأَلهُ عَنْ صَبْره وَفِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث أَبِي نَضْرَة عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَة خَضِرَة وَإِنَّ اللَّه مُسْتَخْلِفكُمْ فِيهَا فَنَاظِر مَاذَا تَعْمَلُونَ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاء فَإِنَّ أَوَّل فِتْنَة بَنِي إِسْرَائِيل كَانَتْ فِي النِّسَاء وَقَوْله تَعَالَى " إِنَّ رَبّك سَرِيع الْعِقَاب وَإِنَّهُ لَغَفُور رَحِيم" تَرْهِيب وَتَرْغِيب أَنَّ حِسَابه وَعِقَابه سَرِيع فِيمَنْ عَصَاهُ وَخَالَفَ رُسُله " وَإِنَّهُ لَغَفُور رَحِيم " لِمَنْ وَالَاهُ وَاتَّبَعَ رُسُله فِيمَا جَاءُوا بِهِ مِنْ خَبَر وَطَلَب . وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق لِيَرْحَم الْعِبَاد عَلَى مَا فِيهِمْ . رَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم وَكَثِيرًا مَا يَقْرِن اللَّه تَعَالَى فِي الْقُرْآن بَيْن هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ كَقَوْلِهِ " وَإِنَّ رَبّك لَذُو مَغْفِرَة لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمهمْ وإِنَّ رَبّك لَشَدِيد الْعِقَاب " وَقَوْله" نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُور الرَّحِيم وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَاب الْأَلِيم " إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْآيَات الْمُشْتَمِلَة عَلَى التَّرْغِيب وَالتَّرْهِيب فَتَارَة يَدْعُو عِبَاده إِلَيْهِ بِالرَّغْبَةِ وَصِفَة الْجَنَّة وَالتَّرْغِيب فِيمَا لَدَيْهِ وَتَارَة يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ بِالرَّهْبَةِ وَذِكْر النَّار وَأَنْكَالهَا وَعَذَابهَا وَالْقِيَامَة وَأَهْوَالهَا وَتَارَة بِهِمَا لِيَنْجَع فِي كُلّ بِحَسَبِهِ جَعَلَنَا اللَّه مِمَّنْ أَطَاعَهُ فِيمَا أَمَرَ وَتَرَكَ مَا عَنْهُ نَهَى وَزَجَرَ وَصَدَّقَهُ فِيمَا أَخْبَرَ إِنَّهُ قَرِيب مُجِيب سَمِيع الدُّعَاء جَوَاد كَرِيم وَهَّاب . وَقَدْ قَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن حَدَّثَنَا زُهَيْر عَنْ الْعَلَاء عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة مَرْفُوعًا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْ يَعْلَم الْمُؤْمِن مَا عِنْد اللَّه مِنْ الْعُقُوبَة مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَد وَلَوْ يَعْلَم الْكَافِر مَا عِنْد اللَّه مِنْ الرَّحْمَة مَا قَنَطَ أَحَد مِنْ الْجَنَّة خَلَقَ اللَّه مِائَة رَحْمَة فَوَضَعَ وَاحِدَة بَيْن خَلْقه يَتَرَاحَمُونَ بِهَا وَعِنْد اللَّه تِسْعَة وَتِسْعُونَ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَنْ قُتَيْبَة عَنْ عَبْد الْعَزِيز الدَّرَاوَرْدِيّ عَنْ الْعَلَاء بِهِ . وَقَالَ حَسَن وَرَوَاهُ مُسْلِم عَنْ يَحْيَى بْن يَحْيَى وَقُتَيْبَة وَعَلِيّ بْن حُجْر ثَلَاثَتهمْ عَنْ إِسْمَاعِيل بْن جَعْفَر عَنْ الْعَلَاء وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَلَقَ اللَّه الْخَلْق كَتَبَ فِي كِتَاب فَهُوَ عِنْده فَوْق الْعَرْش إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِب غَضَبِي وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول جَعَلَ اللَّه الرَّحْمَة مِائَة جُزْء فَأَمْسَكَ عِنْده تِسْعَة وَتِسْعِينَ جُزْءًا وَأَنْزَلَ فِي الْأَرْض جُزْءًا وَاحِدًا فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْء تَتَرَاحَم الْخَلَائِق حَتَّى تَرْفَع الدَّابَّة حَافِرهَا عَنْ وَلَدهَا خَشْيَة مِنْ أَنْ تُصِيبهُ . رَوَاهُ مُسْلِم . آخِر تَفْسِير سُورَة الْأَنْعَام وَلِلَّهِ الْحَمْد وَالْمِنَّة .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • الفوائد

    الفوائد : هذا كتاب عجاب في مادته، موسوعي في جمعه، رائع في عرضه ومناقشته، جمع شوارد ودقائق أدركها الإمام الرباني ابن القيم - رحمه الله - خلال تجربة طويلة ومعاناة شخصية والتصاق مستمر بالعلم وأهله ومصادره.

    المدقق/المراجع: محمد عزيز شمس

    الناشر: دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/265626

    التحميل:

  • القواعد الحسان المتعلقة بتفسير القرآن

    القواعد الحسان المتعلقة بتفسير القرآن : فهذه أصول وقواعد في تفسير القرآن الكريم، جليلة المقدار، عظيمة النفع، تعين قارئها ومتأملها على فهم كلام الله، والاهتداء به، ومَخْبَرُها أجل من وصفها؛ فإنها تفتح للعبد من طرق التفسير ومنهاج الفهم عن الله ما يُعين على كثير من التفاسير الْحَالِيّة في هذه البحوث النافعة. اعتنى به : الشيخ خالد بن عثمان السبت - أثابه الله -.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/205542

    التحميل:

  • أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في الحرب

    أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في الحرب: هذه رسالةٌ جامعةٌ في ذكر جانب مهم من جوانب سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ألا هو: خُلُقه - عليه الصلاة والسلام - في الحرب، وبيان شمائله وصفاته العلِيَّة في تعامُله مع الكفار.

    الناشر: موقع رسول الله http://www.rasoulallah.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/334429

    التحميل:

  • صلاة الجمعة في ضوء الكتاب والسنة

    صلاة الجمعة في ضوء الكتاب والسنة: قال المصنف - حفظه الله -: «فهذه رسالة مختصرة في صلاة الجمعة بيَّنت فيها: مفهوم الجمعة، والأصل في وجوبها، وحكم صلاة الجمعة: من تجب عليه ومن لا تجب، وأنها فرض عين على من توفرت فيه ثمانية شروط، ومن حضرها ممن لا تجب عليه من المسلمين العقلاء أجزأته عن صلاة الظهر، وانعقدت به وصح أن يؤم فيها إلا المرأة فلا يصح أن تكون خطيباً، ولا إماماً، ثم بيّنت عقوبة تارك الجمعة، وأوضحت فضائل يوم الجمعة، وفضائل صلاة الجمعة، وآداب الجمعة: الواجبة والمستحبة، ثم ذكرت خصائصها بإيجاز، ثم شروط صحة الجمعة، ثم صفة صلاة الجمعة، وقد استفدت كثيراً من تقريرات شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله تعالى، ورفع درجاته في جنات النعيم -».

    الناشر: المكتب التعاوني للدعوة وتوعية الجاليات بالربوة http://www.IslamHouse.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/58442

    التحميل:

  • رسائل الأفراح

    رسائل الأفراح: رسالة مشتملة على بيان الحقوق الزوجية، وبعض الآداب وما ينبغي أن يحذره المسلم والمسلمة حال حضورهم للأفراح.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/1979

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة